الاغتراب اللبناني
نظرة جديدة معاصرة إلى الاغتراب اللبناني
مفهوم جديد وآلية جديدة للعلاقة والعمل مع المغتربين اللبنانيين
لا بد من إعادة النظر بكل السياسات المتعلقة بالاغتراب وبالمغتربين. وفيما يلي بعض الأفكار حول هذه السياسة، انطلاقاً من تقييم الماضي:
أولاً، قراءة تاريخية جدية للاغتراب: أزمنته، محطاته التاريخية، ظروفه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعلاقته بطموح اللبنانيين العريق، منذ القدم، للمغامرة في السفر والعمل والابداع، وفي استخدام طاقاتهم الخلاّقة في كل المجالات:
- في القرن الماضي، كان اتجاه الاغتراب نحو الأميركيتين.
- في مطالع القرن، جاء ارتباطاً بالحرب العالمية الأولى، هروباً من الحرب والمجاعة، إلى البلدان ذاتها، بشكلٍ عام.
- في العشرينات والثلاثينات، تم اكتشاف أفريقيا، الغربية، أساساً، والجنوبية والشرقية، في صورة أقل.
- في الأربعينات والخمسينات، تمّ التركيز على أفريقيا، بشكلٍ خاص، مع بروز دور الألماس، ودخول اللبنانيين في العمل فيه، في سيراليون وغينيا وليبيريا.. الخ.
- بدأ تسارع الهجرة إلى كندا وأميركا الجنوبية وأوستراليا وأورويا وبلدان الخليج، مع بداية الحرب الأهلية.
- الهجرة إلى الأميركيتين، في البدء، جاءت من مناطق الجبل أساساً، ثم عادت فشملت أبناء البقاع والجنوب، بأعداد غير كبيرة.
- فيما بعد اختصّت أفريقيا الغربية أهل الجنوب، أساساً... أمّا أميركا الجنوبية فكانت من نصيب أهل البقاع الغربي. وبعض المناطق الدرزية في الجبل، في حين أنّ الشمال كان ضعيف الهجرة، وجاء في اتجاه الأميركيتين وأوروبا وأوستراليا.
- الحرب الأهلية حملت اللبنانيين إلى الهجرة من كل المناطق إلى كل البلدان... لا سيما أوستراليا وكندا... أمّا هجرة الكفاءات، فكانت في اتجاه أوروبا والبلدان العربية، بشكلٍ خاص. يضاف إليها أميركا الشمالية. ويمكن القول ذاته، بالنسبة لطلب العلم.
إنّ وظيفة هذه القراءة هي إعادة تقييم الاغتراب كظاهرة، مع تحديد أسبابها، وجذورها، وظروفها والبلدان التي اتجه إليها المغتربون وأسباب ذلك، مع الاختلاف في الأزمنة التاريخية. وظيفة هذه القراءة، أيضاً، تحديد المناطق التي تمّت منها الهجرة، بهدف تحديد انتماءات المغتربين الطائفية والمذهبية والسياسية والاجتماعية. ووظيفة هذا التحديد هي أنّه يساعد في تحديد صيغة العلاقة بين المغتربين وبلدهم، طبيعتها، توظيفها السياسي من قبل القوى السياسية اللبنانية، إيجاباً وسلباً. ومن شأنه أن يساعد في تحديد الصيغة المطلوبة للعمل مع المغتربين على قاعدة هذه المعلومات، لربطهم، في حدود الممكن، بالوطن، وبقضاياه، وهمومه كافة، وتخفيف النزعة الطائفية وسائر النزعات السلبية عندهم، والحد من عشوائية العلاقة بينهم وبين بلدهم والقوى السياسية الاجتماعية فيه.
ثانياً، قراءة جديدة راهنة، لوضع الاغتراب والمغتربين، اليوم:
- أين يتوزّع المغتربون اليوم، في أي البلدان، وبأية أحجام؟
- من أين جاؤوا إلى الاغتراب، من أب مناطق، من أي طوائف ومذاهب، من أي أوضاع اقتصادية واجتماعية، من أي اتجاهات سياسية؟
- ما هي طبيعة ونوعية ودرجة علاقاتهم اليوم، بالوطن... القدامى منهم والجدد؟
- القدامى منهم، الذين اندمجوا في بلدان الاغتراب، وأصبحوا جزءاً منها، واحتلّوا مراكز سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية، بما في ذلك في مواقع السلطة والقرار (رؤساء جمهورية، وزراء، نوناب، رؤساء أحزاب، رؤساء بلديات، أصحاب شركات، رجال أعمال، علماء، مثقفون.. الخ). ما هي علاقتهم بالوطن الأم، وما هي أشكال العمل التي تمت لجعل علاقتهم بالوطن الأم، علاقة قوية وصحيحة.
- الجدد منهم، الذين يعود اغترابهم إلى الأربعينات والخمسينات، وبالأخص، الذين يعود اغترابهم إلى السبعينات، ارتباطاً بالحرب الأهلية... أوضاعهم الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، وأشكال ارتباطهم بالوطن، سياسياً، واقتصادياً، وطائفياً. الحجم الحقيقي للأموال يرسلها المغتربون إلى ذويهم في الوطن... وهو حجم يتغيّر، بصورة دائمة، خبوطاً، الأغلب. استثماراتهم في البلد الذي يقيمون فيه وفي وطنهم... مدارس خاصة، كفاءات علمية ومهنية، فرص عمل، زياراتهم للوطن، ووتائر ونوع وهدف هذه الزيارات.
ثالثاً، كيف يتعامل اللبنانيون في الوطن مع المغتربين:
- استنزافهم بالتبرعات الخاصة، باسم مشاريع حقيقية ووهمية، في الغالب الأعمّ.
- تراكم الأموال عند المغتربين أين يذهب، وأين يوظَّف، وكيف يوظَّف، وحجم توظيفه، بين بلدان الاغتراب وبين الوطن الأم.
- أسباب التفاوت في طبيعة وحجم الاستثمارات بين الداخل والخارج.
- لماذا التوظيف في العقارات، وحسب، في الوطن، والإحجام عن الاستثمار، إلاّ نادراً، في الصناعة والزراعة والسياحة؟
رابعاً، علاقة المغتربين ببلدان الاغتراب:
- هل هم سفراء للوطن، أم أُجراء عند الغير، أم أنّهم مستعمرون حيث يقيمون (أفريقيا)؟
- كيف يمكن أن يتحوّلوا إلى سفراء، أياً كان موقعهم، في خدمة بلادهم، وهل بذلت جهود في هذا السبيل، أم في السبيل الآخر، النقيض؟
خامساً، كيف تأسّست الجامعة الثقافية:
- مراحل تكوّنها، ظروف تكوّنها، الصعوبات، والانقسامات، والتوظيفات السياسية لها، من أطراف مختلفة، في السابق، وفي الأيام الراهنة.
- الرابطة الأدبية في مطالع القرن، مع جبران ونعيمه وأبو ماضي، وآخرين، كانت لها وظيفة وطنية، وثقافية، بالغة الأهمية. أين تلك من هذه؟ لماذا؟
- الوضع الراهن للجامعة الثقافية.
- لماذا تحمل اسم جامعة ثقافية، أين هي الثقافة فيها؟
- لا بد من اسم جديد، لوظيفة جديدة.
- إعادة تنظيمها على أُسس جديدة يحدد هذه الأُسس المفهوم الجديد للاغتراب من قِبَل اللبنانيين، في الدولة والمجتمع... والتركيز على الدور الذي يجب أن يلعبه المغتربون في بناء لبنان الغد، اقتصادياً واجتماعياً، وثقافياً، وسياسياً...
- يكون من الأفضل أن تكون للمؤسسة الجديدة هيكلية جديدة، تنظيمية.. تتناول مهمات متعددة، في بلدان الاغتراب، وفي الوطن... ولجان فرعية، حسب الاهتمامات، والمهمات، من خلال الربط بين المصالح الخاصة للمغتربين، والمصالح الوطنية العامة، بتوازن مدروس، وليس بتعسُّف.
سادساً، دور الدولة في الاهتمام بالمغتربين وبالاغتراب:
- لا ضرورة لوزارة مغتربين... هيئة تابعة لمجلس الوزراء أو لوزارة الخارجية... مع إبقاء وزارة الخارجية والمغتربين... لكن بمفهوم جديد لموقع المغتربين والاغتراب في اهتمامات الدولة، ووزاراتها بهم.
- لا بد من وضع سياسة جديدة باتجاه المغتربين. جوهر هذه السياسة، تعزيز علاقة المغتربين بالوطن، والاهتمام بقضاياه العامة... والدفاع عن هذه القضايا، واستخدام علاقاتهم ببلدان الاغتراب في هذا المضمار...
- دور الدولة يجب أن يبصب في اتجاه تخفيف طابع الانتماء الطائفي للمغتربين، تجاوزاً لمشكلة التعداد السكاني... هذا الأمر له علاقة بسياسة الدولة تجاه التخفيفي، داخلياً، من الطائفية، بما في ذلك بسن قوانين جديدة، ولا سيما قانون الانتخاب... وكذلك في سياسة التوظيف... وفي موضوع التعليم، والحد من قيام مؤسسات علمية ذات طابع طائفي ومذهبي، على صعيد التعليم الابتدائي والثانوي والجامعي.
- وضع سياسة لمساهمة المغتربين في إنماء لبنان اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً.
- التوظيف في الصناعة والزراعة والسياحة.
- التوظيف في المشاريع الاجتماعية والثقافية.
- ترشيد عملية التبرعات التي يقدمها المغتربون لأصحاب المشاريع الخاصة، ومعظمها ذات طابع وهمي، أو شخصي، أو طائفي مذهبي... ترشيد هذه التبرعات لكي تكون إسهاماً في إعمار لبنان وتنميته، بما في ذلك في المناطق التي ينتمون إليها... إنّ كثرة الذاهبين لجمع التبرعات من المغتربين هي شكل من أشكال هدر الأموال، إمّا في غير طائل أو في اتجاهات مسيئة إلى لبنان، وإلى وحدته الوطنية.
- وضع خطة من قِبَل وزارة الخارجية لتوظيف علاقات المغتربين مع بلدان الاغتراب، حكومات، ومؤسسات سياسية وإنسانية واقتصادية وثقافية، في خدمة القضايا اللبنانية، وفي عملية البناء والإعمار.